الرئيسية / مقالات / تسطيح الفكر

تسطيح الفكر

يقر ويؤمن جميع المؤمنين بصحة وصدق الروايات والأحاديث المتواترة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وعن الأئمة المعصومين عليهم السلام بما لا يدع مجالاً للشك أو الظن وبكل ما جاء به القرآن الكريم من آيات ودلالات على الحث والتوجيه للتزوّد بالأعمال الخيرية والتعاون الاجتماعي، غير أنّ هناك فهم خاطئ لبعض أو لكثير من تلك الروايات التي وردت بهذا الخصوص حيث يتم حملها وفهمها بشكل بسيط وسطحي لدرجة تفقدها الهدف والغاية السامية منها، بل الحمل على مثل هذه المعاني تجعل العاملين بها في حالة من الاستهانة والتقليل من قيمتها الحقيقية.

فمثلا الحديث المروي عن النبي محمد (ص) الذي يقول: أنا وكافل اليتيم كهٰتين” وأشار بالسبّابة والوسطى، فحمل هذا الحديث على تقديم المساعدات المالية والتي من شأنها ضمان مكانة بجانب النبي (ص) في الجنة وهذا مفهوم خاطئ حيث أنّ هناك العديد من الطواغيت والظلمة ممن عمل وأنشأ مبرات للأيتام، فهل هذه الأعمال تكفيهم ليكونوا صفاً بصف مع النبي (ص)؟ بالطبع لا، وما يرمي إليه الحديث أبعد من ذلك. إنّ الرسالات السماوية والدعوات النبوية تهدف إلى بناء الشخصية الإنسانية وكمال الإنسان والدعوة إلى كفالة الأيتام تعني الإهتمام بهم من جميع النواحي ولا تقتصر على دعمهم مادياً، بل بناء شخصياتهم وتربيتهم والإهتمام بسلوكياتهم والحرص على تعليمهم وتهذيبهم.

جاء في الروايات بأنّ زيارة الإمام الحسين (ع) تعدل ألف حجة وعمرة، وهنا يأتي التسطيح الفكري عندما ينظر المؤمن بأنّ الزيارة والوصول إلى العتبة المقدسة يستحق بذلك الجزاء، غير أنّ الحقيقة تكمن في معرفة الإمام الحسين عليه السلام والإمتثال لأوامره والإنتهاء عمّا نهى عنه، فكم من حاكم ظالم وطاغية جبّار زار الإمام الحسين (ع) ووصل عند قبره، فهل زيارتهم تعدل ألف حجة وعمرة؟!!! بالتأكيد لا وألف لا.

عندما نسترجع قصة الإمام الرضا (ع) وهو في طريقه إلى نيشابور وسؤاله عن حديث النبي (ص) الذي قال فيه: “من قال لا إله إلاّ الله محمد رسول الله دخل الجنة”، قال نعم ولكن بشرطها وشروطها وأنا من شروطها، وهنا يمكن سر هذه الشهادة، أي معرفتهم والإيمان والتصديق بولايتهم ولا يكفي النطق بالشهادة دون معرفتهم والتمسك بولايتهم والعمل بمقتضى أوامرهم ونواهيهم.

علينا أن نقرأ الروايات ونفهمها فهماً علمياً وفقهياً وأنّها دروس ومواعظ وحكم تستلزم الطاعة والعمل الخالص لله سبحانه وتعالى وتمشياً مع الرسالات السماوية والأهداف الربّانية وذلك من أجل الصلاح والإصلاح، لا من أجل الهروب من الواقع المظلم وإظهار ما هو عكس ذلك وتغطية انحرافاتنا الفكرية والعقدية إن صح التعبير.

لتكن هذه الروايات وهذه الأحاديث مصدر إلهام ومحفزات على عمل الخير والاستقامة ونبذ الظلم بشتى أنواعه وألوانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *