الرئيسية / مقالات / كورونا الحروب الجانبية والسعودية .. مع الكاتب الاستاذ: رائد البغلي

كورونا الحروب الجانبية والسعودية .. مع الكاتب الاستاذ: رائد البغلي

يعيش العالم من أقصاه لأقصاه حالةً من الذُعر المُتصاعد سبَّبها الانتشار المُتسارع لفيروس كورونا (COVID-19) الذي اجتاح الكثير من الدول من بينها متقدمة، وجعل العالم – بانقساماته – يعيش اليوم حدثًا واحدًا بكل تفاصيله يُخيّم على كل بقعةٍ ويُهيمن على كل قطاعٍ، كما أمستْ تداعيات هذا الوباء الشغل الشاغل كافَّة شعوب الأرض، فما يجري في إيطاليا يثير الهلَع في كوريا، وما يحدث في مصر يقذف بالرعب في دول الخليج، وما يجري في إيران يدقّ نواقيس الخطر في الولايات المتحدة، فلا أحد اليوم بمعزل ولا مأمن منه.
لا يختلفُ عاقلان على أن تجاوز أيّ مادة من المواد التي ينُصُّ عليها النظام هي مخالفة صريحة، وأيّ مخالفة تستدعي الجزاء بحسب ما تنصّ عليه اللوائح والأنظمة، ولا أحد يُنكر بأن زيارة إيران – تحت أي غطاء – خطأٌ فادحٌ اقترفه عددٌ من المواطنين بملء إرادتهم، كونها دولةً ممنوعةً نظامًا، فضلًا عن كونها موبوءةً بالكورونا.
الدولة – رعاها الله – كانت حكيمة وحليمة مع أبنائها، إذ منحتهم مُهلةً للإفصاح عن زيارتهم لإيران، وهناك مَنْ استثمر هذه المهلة وهناك مَنْ أمعن في الخطأ ولم يستثمرها. في مثل هذه الظروف لا مجاملة ولا تعاطف ولا انحياز، الكورونا سيئة جدًا، لكن مَنْ ينقلها بجهله أو لا مبالاته أو تكتُّمِه هو أسوأ منها بكثير.
لم تدَّخر الدولة جُهدًا لمُناهضَة هذا الوباء، إذ اتخذتْ حزمةً من الإجراءات الوقائية والاحترازية الصارمة، ووقفتْ بكل أجهزتها الرسمية كسدٍّ منيعٍ للحيلولة دون تفشّيه بين المواطنين، فلا شيء أعظم من تعليق العُمرة والصلاة في المساجد، بالإضافة لتعطيل الدراسة وعمل القطاعين الحكومي والخاص بتفرعاتهما الحيوية وتكبُّد الكثير من الخسائر، ومنع رحلات السفر من وإلى بعض الدول الموبوءة، وعزل محافظة بأكملها كالقطيف عزلًا كاملًا، وإغلاق المراكز التجارية والمطاعم، وتعطيل أجزاء كبيرة من المناشط الاجتماعية، والإجراءات في تسارع وازدياد.
وحتى على الصعيد التثقيفي والتوعوي، أطلقتْ وزارة الصحة عبر منصّاتها الرسمية وعبر القنوات الفضائية الارشادات والنصائح والتعليمات والتحذيرات، وأيضًا أعلنت بشكلٍ دوريّ عن الحالات المصابة وتزايدها ومن أي الدول هي من باب الإفصاح والشفافية، وسخّرتْ كوادرها الطبية كجنود يقاتلون في الميدان للانتصار على هذا الوباء، كما فرضتْ الوزارة الحجر المنزلي لمدة 14 يومًا للقادمين من 23 دولة بتواريخ متفاوتة، وأتاحت فرصة الحصول على إجازات مرضية بالمدة المقررة عبر تطبيق “صحتي”.
وبعد هذا كله، يأتي دور المواطن. ماذا عن المواطن؟
المسؤولية مشتركة بين الوطن والمواطن للقضاء على هذا الوباء، فجهود الدولة وحدها لن تُفلح متى ما كان المواطن غير متعاونٍ وليس لديه الإحساس بالمسؤولية وغير مُدرك لحجم الخطر المُحدِّق بالعالم أجمع، الدولة لن تستطيع القيام بكل شيء، ومثلما ينتظر المواطن من الدولة وقوفها، أيضًا تنتظر الدولة من المواطن تعاونه لكي نتجاوز هذه المرحلة العصيَّة، ونصل إلى بَرِّ الأمان.
يجب أخذ الأمور بحجمها الطبيعي دون استخفافٍ أو تهاونٍ، ولتكن لنا في تجربة إيطاليا في التعاطي مع المرض عظة وعبرة، إيطاليا التي باتت البلد الثاني الأكثر تضرّرًا من كورونا في العالم بعد الصين، والأول في أوروبا وفق الأرقام الرسمية لمنظمة الصحة العالمية.
بدأتْ القصة عندما ذهب رجلٌ إيطالي مريض عمره (38) عامًا لمراجعة المستشفى عدة مرات، لكن لا أحد اهتم بإخضاعه لكشف الفايروس بذريعة أنه لم يزُر الصين من قبل. “المُصاب الأول” – كما أسمته الصحافة الإيطالية – نقل العدوى لعدة أشخاص قبل أن يوضع تحت الحجر الصحي، ومن مصابٍ واحد انتشر الفايروس في إيطاليا بسرعة عجيبة حيّرت العلماء، وأصبح عدد المصابين حتى لحظات كتابة هذه السطور يربو على 28 ألف حالة، كما بلغ عدد المتوفين حتى الآن – بحسب بعض المواقع الإخبارية – 2158 حالة مُحققةً إيطاليا بذلك رقمًا قياسيًا.
أخيرًا، وُلِدَ فايروس كورونا في الصين التي تحتوي على أكبر تجمع سكاني بوذي في العالم، وانتقل إلى مكة السعودية مهبط الوحي وأطهر بقاع المسلمين، وداهم إيران التي تضمّ عددًا من المقامات الشيعية، وفتك بإيطاليا التي تحتضن دولة الفاتيكان وكاتدرائية القدّيس بطرس مركز القيادة للكنيسة الكاثوليكية بالعالم، ولم يتجاوز فلسطين أقدس بقاع اليهود والنصارى. كورونا لم يكن طائفيًا في هجومه على شعوب العالم ولم يُميّز بين أحدٍ وآخر، فلا ينبغي أن نكون طائفيين في تلقينا له، ولا نجعله يكون أكثر عدلًا منا.

الكاتب الاستاذ: رائد البغلي

صحيفة الوطن السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *