الرئيسية / مقالات / وهم السعادة بالقداسة

وهم السعادة بالقداسة

كما أشرنا الأسبوع الفائت حول وهم القداسة وهو من أوهام السعادة بالسلطة والنفوذ، نقول: لا يأتي وهم السعادة بالقداسة من فراغ، بل بالتدرج في درجات سلم عالم الطهارة والانضباط، وبالتراكم العملي والزمني في دروب الخير، وبالاخلاص المتوالي في درب الفضيلة، وبالانغماس الكلي في “وظيفة” رجل الدين. وهذا الانغماس له في كل مفردة تاريخ وصور ومثاليات وقيم، مثل محاولة الانغماس في النقاء، الطهر، التوبة، التقشف، الزهد، وغيرها.
هنا، يندرج المقدس ضمن إطار قواعد العالم الأرضي: فالانضباط المُبجل من قبل الرهبان من أجل ضمان خلاصهم، قد تحول باطراد إلى شكل أخر من الإكراه الذي يُجبر كل واحد نفسه عليه بُغية بلوغ سعادته. منه تقشف التاجر الذي يعمل ليل نهار ليزيد من ثروته، وهذه هي شخصية متعهد الأعمال الرأسمالي الصارم أخلاقياً كما وصفه فيبر. وهوتقشف عداء الماراثون، وعاشق الرياضة المواظب على ارتياد صالات الرياضة، وتقشف الرياضيين ذوي المستوى العالي جميعاً (حيث تبدو التمارين الجسدية غالباً بوصفها المعادل الحديث للتمارين الروحية عند القدماء). وهو بكل بساطة تقشف الأهل الذين يقومون بوظائف كثيرة: أطفال، هوايات، أصدقاء، فينتهون منهكين بسبب رغبتهم في القيام بكل هذه الأشياء مجتمعة.
كل منصب، أكان صغيراً أم كبيراً، له بقية من التابعين، مستفيدين، طالبين، ومتعاملين. وجميع المناصب، مهما كبرت، محدودة التأثير، وإن كان صاحب المنصب يرى منصبه كبيراً، مهما صغُر حجمه، إذا كان ممن دخلوا دائرة وهم السعادة. نستثني من ذلك المناصب والمراتب الدينية فمهما صَغُرت فهي لكونها ضمن دائرة دين الله فهي ذات تأثير كبير في نفوس الناس. لا يحدث ذلك بالضرورة من قدرات وكفأة أصحاب المراتب الدينية، بل في أغلبه لبساطة عموم الناس وفطرتهم التي إعتادت احترام وتقديس كل شيء يتعلق بالدين او ياتي منه.
بعض الناس يستطيع المتلبسون بوهم القداسة أن يغيروا قناعاتهم وأفكارهم حتى لو كانت من المسلمات البديهية…في المقطع المرفق صورة من ذلك… “لا تستمع للحمقى . ترجمة ابو الحروف ABHRF” للمشاهدة اضغط هنا

الكاتب الأستاذ: كاظم الشبيب

في السعادة، رحلة فلسفية ص132- 133

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *