الرئيسية / مقالات / رسالة إلى «نورة نجيب الزامل»

رسالة إلى «نورة نجيب الزامل»

لم تكن مُجرَّدُ صُدفةٍ تلك التي جمعتني بالكاتب الصحفي وعضو مجلس الشورى السعوديّ الأسبَق نجيب الزامل، على ضِفافِ مُحاضرته التي أُقيمتْ بالأحساءِ بعنوان «العمل التطوُّعي وقت الأزمات»، والتي تعرَّفتُ مِنْ خلالها على نجيب المُحاضِر الذي يدعم العمل التطوعي من خلال جولاته التي يُتوَّجها بمحاضراته ولقاءاته بالشباب في شَتَّى مناطق ومُدن وطنه.

ثم بعد ذلك – ومِنْ خلال المُحاضَرة – تعرَّفتُ على نجيب الزامل البسيط العفويّ المُجرَّد مِنْ رسميَّات التعامل وبروتوكولات التخاطب، فرأيتُ وسمعتُ رجلًا عاديًا بسيطًا يُحاطُ بأطواقِ الحُبِّ من الحاضرين لمحاضرته رجالًا ونساءً، وقد تجلَّى ذلك الحُبّ في التفاعل الكبير والمباشر منهم مع ما كان يُرسله ومع ما كان يتلقَّاه منهم مِنْ تغذيةٍ راجعةٍ.

بعد أنْ انتهتْ المحاضرة، أُقِيمَ على هامشها حفل توقيعٍ مُصَغَّرٍ لكِتابِ الزامل «رسالة إلى ابنتي»، وفي واقع الأمر قرَّرتُ اقتناء الكتاب لعِدَّةِ أسباب، أبرزها أنَّ اقتنائي له سيكون سببًا لأدنوَ مِنْ «الزامل» وأتخاطب معهُ بشكلٍ خاصٍّ ومباشرٍ بعيدًا عن ضوضاءِ المسرح وصَخَبِ المحاضرة لأكتشفَ مساحاتٍ أكبر في شخصيته والتعرُّفِ على انطباعاتهِ عن الأحساء وأهلها ورأيه في مبادرات الأحسائيين في ميدان العمل التطوعي، وأيضًا ستكون الفرصة سانحة لالتقاطِ بعض الصور التذكارية معه، وأخيرًا الظَفْر بتوقيعه على صدر الكتاب.

الغريب واللافت في الأمر الأخير تحديدًا هو أنني عندما طلبتُ منه التوقيع بادرني بطلب اسم زوجتي أو شقيقتي بخفّة ظِلِّه وتلقائيته المعهودة، فأبلغته باسم زوجتي فاطمة، والدهشة تَعلو وجهي مِنْ طلبه، ففاجئني بكتابة جملة «ابنتي فاطمة» ثم اسمه فتوقيعه إلى جِوار عنوان الكتاب «رسالة إلى ابنتي»، فكان هناك تَمَاهٍ بين العنوان وبين الإهداء من جانبٍ، ومن جانب آخر إيحاء أنَّ هذه الرسائل التي يتضمَّنها الكتاب ليست فقط لـ«نورة» ابنته، بل لكل أنثى يقع بين يديها هذا الكتاب.

الكتاب يقعُ في 128 صفحة واشتمل على 60 رسالةٍ من نجيب الزامل إلى ابنته الوحيدة، كلها رسائل أبوية تحمل على أجنحتها عباراتٍ حانيةٍ مليئةٍ بالدفء، تنوَّعتْ بين الإرشادية والتوعوية والتحفيزية والعاطفية والإنسانية.

يحكي «الزامل» في مُقدِّمة كتابه قصة هذه الرسائل التي كان يبعث بها لـ«نورة» مِنْ خلال هاتفه المحمول إذ يقول «مِنْ صغرها ونحن لا نجتمع تحت سقفٍ واحدٍ مُددًا طويلة إما لابتعادي عنها بسبب أسفاري، أو بسبب ابتعادها أحايين كثيرة إما لأنها تقضي مُددًا في بيوت أقاربها أو لأسباب الدراسة».

الجميل في الأمر أنَّ هذه الرسائل الأبوية البسيطة والعفوية بدأتْ شخصيةً وخاصةً كرسائل نصيَّة بين نورة وأبيها، ثم سرعان ما راجتْ بين بنات العائلة وصديقاتها، والأجمل أنَّ كل بنتٍ منهنَّ – كما ينقل الزامل – أصبحتْ تَشعُر أنَّ الرسالة مكتوبة خصّيصًا لها من أبيها! فارتبطن بها عاطفيًا.

الكاتب البارع هو مَنْ يمتلك القُدرَة على خَلقِ مادةٍ بديعةٍ وِفقَ أدواتهِ المتاحة – حتى وإن كانت بسيطة – ويُسافر بالقارئ على مَتنِ رحلةٍ كتابيَّةٍ ويجعله يعيش تفاصيلها بحواسِّه، ويتصوَّر ملامحها بمخيّلته دون تكلُّفٍ أو عناء، وهذا ما فَعَلهُ نجيب الزامل في هذا الكتاب.

الكاتب السعودي

الأستاذ: رائد البغلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *