الرئيسية / مقالات / ماذا لو أحسنتَ الظن؟

ماذا لو أحسنتَ الظن؟

قد تنسى مسبحتك أو محفظتك أو هاتفك المحمول في مكانٍ ما وتعود لنفس المكان باحثًا عما فقدت، سِرّ عودتك هو تقديمك حُسن الظن وإلا لما عُدتَ من الأساس، وعندما تعود ولا تجد ضالتك فإنك تُصاب بخيبة لأنَّ ما توقعته لم يتطابق مع الواقع، ولأن الأمل الذي كان يسكنك قد تبدَّد.

ثَمَّة إحساس عميق يربطك بأشيائك وهذا ما يجعلك تتفانى في البحث عنها، وحتى لو لم تعثر عليها فإنك قد لا ترضخ لواقع اختفائها بل تنصاع لصوتك الداخلي الذي يُثبت وجودها، والذي يدفعك لمواصلة البحث عنها دون كَلَل.

عندما تسأل البعض عن سبب إحسانهم الظن فإنهم يُعلِّلون ذلك بأنهم لا يريدون أن تتشوَّه صورة المُقرَّبين منهم لأيّ سببٍ كان، ولذلك، فإنهم يؤثرون حُسن الظن ولو على حساب أنفسهم وحتى لو كانت الدلائل تشير إلى العكس.

بينما قد تكون للبعض الآخر قراءة من زاوية مُختلفة – وإن كانت تؤدّي لنفس النتيجة – ويعترفون بأنَّ سبب إحسانهم الظن هو لأجلهم هم وليس لأجل الآخرين، لأن سوء الظن يجعلهم يرزحون تحت وطأة التوتر والقلق ويلِجون في حسابات ذهنية مؤرقة تنزع راحتهم، فيلجؤون لحُسن الظن كي تبقى كل الصور أمامهم جميلة، حتى لو كان حُسن الظن غطاءً يستر القُبح.

في ظل تسارع عجلة الزمن وتراكم المسؤوليات أصبح الفرد بالكاد يختلس ساعة أو ساعتين للجلوس مع شخص «أحسن الظن به» ليتسامر معه ويبوح له بما يجول في خُلده، ولأن هذا الوقت شحيح وثمين فيجدر أن ينقضي مع شخص يعود على صاحبه بإضافة ليس بالضرورة أن تكون فكرية أو ثقافية أو معرفية، بل على الأقل إضافة موقف أو بهجة أو بسمة، فهي في النهاية أفضل من إضافة البؤس والكآبة التي توغر صدور الكثيرين.

تعجبني مقولة «أحمد الشقيري» في السياق ذاته: «لا تُحسن الظن بي كي لا أخذلك، ولا تُسئ الظن بي كي لا تخذلني، لكن اجعلني دون ظنون، كي أكون أنا كما أكون».

إحسان الظن قد يجعلنا نثق بسرعة ونُصدِّقُ بسرعة ونبوح بسرعة ولكن في النهاية قد نندم بسرعة، لكن يبقى الأصل إحسان الظن حتى يثبت غير ذلك.

رأي الكاتب الاستاذ/ رائد البغلي
صحيفة الرأي السعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *