الرئيسية / مقالات / إختار طريقك للسعادة

إختار طريقك للسعادة

الذاهبون إلى السعادة أو التعاسة هم كسائقي السيارات، فهناك فارق بين قائدين للسيارة، أحدهما الطريق بالنسبة إليه مجرد مسار للوصول وعليه حث الخطى لقطعه. الثاني لديه ذات القصد الذي عند الأول، إلا أنه يأخذ الطريق والمسافة في الوقت نفسه على أنه نزهة، وبالتالي يكون الطريق ممتعاً له ومريحاً رغم الجهد المبذول فيه، أما الأول فيكون الطريق بالنسبة له واجب ينبغي الانتهاء منه، فيكون قابلاً للتوتر أكثر من الآخر. هو فارق بين من يأخذ طرق الحياة كالمتنزه فيها، والآخر من يأخذ طرق الحياة بالجدية والصرامة، وبالتالي يسعد هذا ويتعب ذاك.

مما يساهم في أن يكون الطريق سعيداً أو تعيساً، هو أن يختار كل شخص الطريق الملائم لنفسه، لجسده، لروحه، ولذهنه. أي على المرء أن يأخذ طريق السعادة الذي يلائمه هو، بغض النظر عن رأي الآخرين في ما سيختاره من الطرق، لأن من ينتظر موافقة الناس على خياراته لن يستطيع أن يعيش حياته هو، بل سيعيش وفق منظور الآخرين طوال عمره، وبالتالي سترتبط سعادته أو تعاسته على الدوام بما يؤمن به الآخرون، لا بما يريده هو. لا يعني ذلك أن لا يراعي الفرد طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه والقيم الإجتماعية السائدة، بل يعني أن لا تكون تلك الطبيعة والقيم تُفضي لتعاسته.

إن اختيارنا لطريق السعادة الذي يلائمنا لا يتناقض بالضرورة مع ما يؤمن به الآخرون من قيم، ولا يتنافر بالضرورة مع ما لدى الآخرين من معتقدات، بل على العكس من ذلك، لأن التوافق الفطري، في الأصل، بين متطلبات الإنسان ومعتقداته هو طبع فطري للإنسان العادي، ونحن هنا لا نتحدث عن الشذوذ عن القاعدة، بل عن الأعم منها. بغض النظر عن كون تلك المعتقدات ذات أساس ديني أو غيره. وعليه، فإن اختيارنا لطريق السعادة الذي يلائمنا لا يكون في حالة من التصادم مع معتقدات الناس والقيم. فلا يعني تدين الإنسان، وفق أي دين كان، انصرافه عن أن يعيش حلاوة الحياة. والايمان بالموت لا يعني عدم الإقبال على سعادة الحياة. لذا يحتاج المرء أن يتعلم ويجرب على الدوام كيف يُقبل على الحياة، على مسراتها رغم آلامها، على أفراحها رغم محطات الترح فيها، على لذتها رغم أتعابها. راقبوا الأطفال عندما يلتقون للعب واللهو، نجدهم يتقافزون، يتراكضون، يغنون، يتراشقون، يتراقصون، هذه مجرد صورة من صور الإقبال على الحياة، لا تقيدهم القيود ولا تمنعهم التحسسات النفسية التي تتلوث بها أنفس الكبار. كذلك نجد الإقبال على الحياة في صورة المراهقين والشباب عندما يتحمسون لعمل ما، أو لرياضة ما.

والإقبال الحقيقي على الحياة هو الذي لا يهدف إلى الهدم، إنما يعد جزءاً من المكونات الطبيعية لنفس الإنسان، وذلك فيما عدا الحالات التي تؤدي فيها بعض الظروف السيئة إلى محو هذا الجزء. فالأطفال الصغار مثلاً يؤخذون بكل ما يرون أو يسمعون. والعالم بالنسبة إليهم مليء بالغرائب، وهم دائماً يبحثون عن العلم، لا أقصد العلم الذي يدرس في المدارس، وإنما علمهم بالأشياء المحيطة بهم والتي تسترعي انتباههم. بل إن الحيوانات بعد أن يكتمل نموها، تحتفظ بإقبالها على الحياة ما دامت في صحة كاملة.

مشكلة الكثيرين انهم لا يفرقون بين العمل في الحياة، والإقبال على الحياة. لا يفرقون بين السعي والاستمتاع بالسعي. لا يفرقون بين الكفاح في الحياة وبين حب الحياة، وكأننا جبلنا على كره الحياة. مع إن الإقبال على الحياة لا يتناقض مع فطرة الإنسان بل يتكامل معها. إذا أيقنا بذلك يكون حتى النوم هو إقبال على الحياة من وجوه كثيرة. إذا احتاج أي عضو في الجسد إلى التفعيل علينا تفعيله وإلا أمسينا نحارب متطلبات الفطرة الطبيعية للإنسان.

في المقطع المرفق ما يفيد لتعزيز الموضوع

“التدفق .. سر السعادة – كتاب ميهاي كسيسنتميهاي” لمشاهدة المقطع هنا

 الكاتب الأستاذ: كاظم الشبيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *