الرئيسية / مقالات / إثارة قرآنية – ٢ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)

إثارة قرآنية – ٢ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)

نقاط ثلاث ولازال الكلام في معنى هــم امرأة العزيز، ولحد الآن لم ندخل في معنى هم يوسف، لذلك أرجو التريث بتوضيح النقاط التي ستجعلنا نـنظر للموقف بشكل مختلف.

1- قال تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ): أقول لو أن الآيات توقفت لهذا الحد ولم تكمل، ألا يكفي أن يفهم القارئ للآية أن امرأة العزيز كانت تريد المعصية مع يوسف(ع)؟ الجواب *نعم* فهذا المقدار يكفي بدليل أن يوسف عرف مردها وبعد أفعالها وقولها له [هَيْتَ لَكَ] مباشرةً قال لها [مَعَاذَ اللَّهِ].
فسياق سورة يوسف مبني على أنه لا تكرار في مفرداتها، إلا بموطن واحد وهو رؤيا الملك فقد تكررت بالصياغة نفسها [إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ] إلا في (سَبْعِ) فجاءت على لسان الساقي بالكسر وهذا بلحاظ نحوي، فتكرار هذا المقطع فقط لغرض ليس محل بيانه هنا.

المهم: فالقول بــ همت أي عزمت على الزنا لا يناسب، فلا وجود للفاصلة الزمنية بين الحدثـين لنحتاج معه للعهد الذهني، وليس هناك فاصل في السياق للحاجة للعهد الذِكري، فلا بد أن نفرض أنها عزمت على أمر أخر.
وهنا يأتي دور الروايات التي تختزل فيها الكثير من المعاني الراقية جدًا ولتزيل عنا الالتباس فكلام الإمام هو إمام الكلام، وهذا ما سيأتي تفصيله في الحلقة الثالثة.

2- تعبير المراودة يحتوي على أمرين: الطلب بتلطف، وقد يحتمل أن الطرف لا يرغب فيه، فهي كانت تتلطف في طلبها وهو يمتنع نظير قول الأخوة عن بنيامين (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ) أي سنتـلطف لطلبه مع أننا نعلم بأن أبانا لا يرغب بفراقه.

في البداية كانت تتلطف في طلبها ولكنها لم تأتي بنتيجة، انتقلت لمرحلة أخرى وهي تغليق الأبواب والتصريح وأيضًا لم يجد ذلك نفعًا، هنا فعزمت على ضربه وإجباره انتقامًا لكبريائها وفعل الفاحشة بالقوة، تمامًا كما أنك قد تلجأ لضرب ابنك إذا تمادى للعناد والتمرد، فمعنى همت أي عزمت على ضربه وإجباره، وهو هم أي عزم على ضربها دفاعًا عن نفسه.

وهنا يظهر لنا الحكمة من البرهان فلولا البرهان الذي منعه من المواجهة لحدثت أمور ثلاثة ستغير مجرى الأحداث ضد يوسف.
1) سيدخل العزيز وسيرى فتًا يضرب سيدته، وستأخذ القضية منحى آخر وخطير.
2) الشاهد الوحيد المادي الوحيد لبراءة يوسف هو القميص، فكل الشهادات لبراءته مجرد شهادات مقالية إلا القميص، فإذا تواجها وجهًا لوجه هو يدفعها وهي تجذبه للفاحشة سينقد القميص من الأمام، وسيكون دليل البراءة هو دليل إدانته.
3) سينتفي استدلال الشاهد من الأساس (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ…) ولن يكون له داعي أصلًا.
فلابد من اجتناب المواجهة وجهًا لوجه، والمصلحة تقتضي أن يفر منها ولا يعطيها فرصة للمواجهة.

يبقى الكلام في نقاط ثلاث:
الأولى: مفردة (لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، والكلام بخصوصها.
الثاني: ماهي الأدلة على ما سبق من السياق القرآني.
الثالث: ماهي الأدلة من الروايات على ما سبق.
فلا تستعجلوا قبل الحلقة الثالثة، انتظرونا.

الماتب الأستاذ: حسين العصفور
البحرين

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *