الرئيسية / مقالات / أصدقاء المرحلة

أصدقاء المرحلة

كنتُ في بَهو أحد الفنادق ذات ليلةٍ أحتسي فنجانًا من القهوة، قررتُ فجأة تصوير الفنجان ونشر الصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة تلك اللحظة الرائقة مع الأصدقاء، نشرتها دون انتظار أو ترقّب لأي ردة فعل إزاءها.

الصورة كانت مُعَنوَنة باسم المكان الذي كنتُ أركن إليه، دخل عليّ أحد الأصدقاء على الخاص وكتب لي دون مُقدّمات: أنا قادم إليك فورًا، كانت مفاجأة جميلة، لكن مع الأسف وقت اطلاعه على الصورة كان مُتأخِّرًا بعد أن غادرتُ المكان، اعتذرتُ منه مُتذرِّعًا بما سبق، وبدوره لم يتنازل عن فكرة اللقاء، بل ووجَّه لي دعوةً على العشاء، وحدد الموعد على الفور.

لم أكن لأتصوَّر مفعول تلك الصورة وما كانت ستجلب وراءها، ولم أكن أتوقَّع أنْ تكون سببًا في خلق دعوةٍ ماتعةٍ على العشاء، وتحديد لقاءٍ مميزٍ مع صديقٍ غاب عن العين طويلًا لكنه لم يبرح القلب.

يومًا عن يوم، أزدادُ قناعةً بأنني محاطٌ بأشخاص رائعين، يضيئون حياتي كقناديل فرح، وينهمرون عليَّ بأعذب الغيث فيجعلون حياتي تخضَرُّ وقلبي يُزهِر.

الأصدقاء الحقيقيون هم الذين تجدهم حيث لا تتوقَّع، يتركون ومضةً في كل بقعة ويصنعون بسمةً في كل أزمة، يقرأوننا دون أن نتكلَّم، ويشعرون بنا ونحن نتألَّم.

هناك ما يُمكن تسميتهم بأصدقاء المرحلة، الذين تجمعهم صفوف دراسية ثم تُبعدهم مرحلة دراسية أخرى أو الانخراط في وظيفة، أو مَن تضمّهم أحياء أو عمارات سكنية ثم تُشَتِّتهم أخرى، أو مَنْ تُقرِّبهم الأفكار إذا تشابهت ثم تُفرّقهم الأفكار إذا نضجت واختلفت، وهناك صداقة الطفولة البريئة التي لا تعترف بالجنس، فنجد الذكر صديقًا للأنثى، لكن سرعان ما يمضي العمر وتُصبح هذه الصداقة في طَيِّ الذكريات.

هناك أيضًا الأصدقاء النفعيون أو المُتسلّقون الذين يرون أنَّ من حقّهم أنْ يتَّخذوا من أكتافك منصّة للوصول لمبتغياتهم وأهدافهم، وإذا صرختَ أو تألَّمت اعتبروا أنَّ من حقهم أيضًا أن يُقاطعوك ويُلغوك من حياتهم.

بعض الأصدقاء يعتقدون أنّ السفر يُسبر غور صداقتهم، ويقيس مدى متانتها وتماسكها، ويربطون الصداقة بذكريات جميلة لا تُمحى، تركوها في أزقَّة ونواصي بعض المُدن التي ارتادوها وأصبحوا يرونها على جدرانها وفي أركانها كلما كرروا زيارتها.

أصبحوا يعشقون تلك المُدن ليس لجمالها بل لجمال الذكريات التي تحتضنها، والأسرار التي تختبئ بها.

أخيرًا، الأصدقاء أنواع مثل أي شيء، هناك صديق نعثر عليه وهناك صديق نتعثَّر به، أو ربما مثلما تقول الكاتبة سامية جلابي «أصدقاء يضيئون وأصدقاء يقتلهم الضوء».

رأي الكاتب الأستاذ/ رائد البغلي
صحيفة الرأي السعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *