الرئيسية / مقالات / سلوكياتنا: أداء على مسرح الحياة

سلوكياتنا: أداء على مسرح الحياة

“الدنيا مسرح كبير، والناس ماهم إلا ممثلون يؤدون أدوارهم على هذا المسرح.” هذه العبارة المنسوبة لشكسبير شكّلت الركيزة الأساسية لنظرية عالم الاجتماع الأمريكي إرفنغ غوفمان الذي ينظر للتفاعلات اليومية في أطار المسرح. فالناس في جميع تصرّفاتهم ممثلون و/أو متفرجون، فهم:

١- يحاولون نقل انطباعات معينة لجمهورهم من خلال تصرفاتهم.

٢- يؤدّون ادوارهم ضمن “فريق” عمل وإن كانت الفردية ظاهرة في تصرّفاتهم.

٣- تكون حياتهم بين “الوقوف على الخشبة” و “الركون في الغرفة الخلفية” (غرفة الملابس والمكياج)

الجماهير تهتم فقط بأداء اللآخرين على خشبة المسرح، ولا تلتفت كثيرا لحالتهم في غرف الملابس والمكياج. بالمقابل، فإن الممثلين يحسون بحريتهم في الغرفة الخلفية حيث لا جمهور يدقّق في تصرّفاتهم وهندامهم.

هنا يجادل غوفمان، بأننا كلنا ممثلون على خشبة مسرح هذه الدنيا، إذ نلبس، نتحدث، نمشي، ننظر، ونبني كلّ تصرفاتنا على أساس الحدث الذي نعيشه/نمثّله. ينطبق هذا على كلّ شيء حتى في المواقف التي نعدّها بسيطة وأننا نتصرف بطبيعتنا ووبتلقائية محضة!

قد يبدو هذا مثيرا للاشمئزاز في حال عدّه “نفاقا أو تصنّعا” ولكن غوفان يتعامل معه وجهة أخرى هي “الوعي”.

عامّة الناس يهتمون -بمستويات مختلفة- بانطباع الآخرين حولهم على عدة أصعدة تبدأ بالمظهر مرورا بالأحاديث والأفكار، ولا تنتهي بالمواقف. بالتالي فإن الإنسان يهتم بانطباعات من حوله، وإلا لماذا لا نخرج بملابس المنزل للعمل والمناسبات؟ ولماذا نضع قيودا على طريقة حديثنا مع الأشخاص الذين لا تربطنا بهم صلة قوية؟ إلخ ….

ولتبسيط هذه النظرية، نستعير أدوات المسرح ونتصور حياتنا اليومية:

١-الدور: لكل منا أدواره المختلفة في الحياة بحسب السياق (مثلا: أم، طبيبة، صديقة، زوجة، أخت،…).

٢- السيناريو: في أغلب الأحيان يكون لدينا “وعي” بالإطار العام للطرق التي ينبغي التحدث والتصرف بها في المواقف المختلفة، وقد تصل لدقّة تشابه الشيء المحضّر المكتوب.

٣- الملابس: البشر يراعون الملابس المناسبة للمواقف والمناسبات، وحتى من يحاول التمرد عليها بعدم لبس المتعارف لهذه المناسبات، فإنه يؤدي دور المتمرد، وهذا اللباس يناسب دوره.

٤- خشبة المسرح والديكورات: هي الأماكن العامة والخاصة التي نعيش فيها أو نزورها.

قد نتفق أو نختلف مع غوفمان، ولكن تصورّه الذي استعاره من شكسبير يشكّل وجهة نظر سوسيولوجية جديرة بالاهتمام! وليسأل كلّ منا نفسه: لأي حدّ أهتم بنظرة الآخرين لي؟ وما الأمور التي أراعي نظرتهم فيها؟ مالأمور التي تجعلني أرفض مسايرة المألوف؟ هل ما أفعله تمرد أم حق شخصي؟

د. عبدالله فيصل آل ربح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *