الرئيسية / منوعات / البحث في العلل وأحكام الشرع

البحث في العلل وأحكام الشرع

قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”، سورة الأحزاب، آية ٥٣.

تدل هذه الآية المباركة على التسليم المطلق للنبي محمد صلى الله عليه وآله ولما جاء به من عند ربه عزّ وجلّ دون قيد أو شرط بما فيها البراءة من أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله والولاية لأوصيائه من أئمة أهل البيت عليهم السلام.
سؤال يراود الكثير من المفكّرين والباحثين وهو إذا كان المقصود من الآية هو التسليم للنبي بكل ما أتى به من أحكام شرعية في الحلال والحرام دون البحث عن العلل أو معرفتها، فكيف يتم تشغيل العقل في التفكير وكيف يمكن الربط بين هذه الآية المباركة وبقية الآيات التي تحث على التدبّر والتفكّر، أم أنّ هذا العمل، أي التفكّر والتدبّر، محصور في غير الأحكام الشرعية؟
وللجواب على هذا لابد بأن نؤمن بأنّ كل ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله يحمل بين دفّاته علة من العلل، غير أنّه يستصعب في الكثير من الأحيان الوصول إلى ماهيّتها، ومهما بلغ الإنسان من علم قد لا يصل إليها أو ربما يوهم نفسه بأنّها هي هذه العلة وهذا لا يكفي للعمل بها.
ولكي يتضح هذا الجانب نطرح هذا السؤال:
لو كانت العلة من تشريع الصيام الإحساس بجوع وعطش الفقراء فقط، فهل يسقط الصوم عن أهل مدينة ما لا يوجد فيها فقير؟
بالتأكيد فإن الجواب بالنفي حيث أنّ شرعية الصوم تظل قائمة.
الوصول إلى العلة الحقيقية من التشريع قد يصل إليها الإنسان ويظل الحكم الشرعي قائماً مهما كانت العلّة من الحكم إن صحت العلّة، وأمّا البناء على أن هذه العلة هي العلة الرئيسة أمر محال.
مع هذا لا يمنع من البحث والتفكّر والتدبّر في آيات القرآن الكريم والوصول إلى علة ما يعتقدها الباحث، ولكن من الخطأ الجزم بصحتها ما لم يتم التأكيد عليها من قبل الراسخين في العلم وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام.
كم قرأنا وسمعنا ورأينا بأنّ بعض العلماء توصّلوا إلى ما يعتقدون بأنّها علل لبعض الأحكام، ولكن تبقى علل ناقصة لا يعوّل عليها ولا يمكن الجزم بصحتها وعلينا أن نظل نبحث ونتدبر ونتفكّر في آيات الله ونبحث في آلائه ومخلوقاته حتى نصل إلى علم اليقين وإن صعب الوصول، تظل المحاولات والأبحاث قائمة إذ لا يستحسن تجميد العقل، كما لا يجوز التوقّف عن العمل بالأحكام الشرعية لعدم معرفة عللها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *