الرئيسية / مقالات / هِندَامُ دَروِيش

هِندَامُ دَروِيش

وتتطارح فيه الأفكار كي تُفضي بعد ذلك لصناعة محتوى قد يُغيِّر العالم. مشروع الكتابة في أصلهِ يبدأُ بفكرةٍ تحفُّ بك، وتحوم حولك، وهي بذلك تمنحك خيارين: إمَّا أنْ تقبض عليها وتُودعها قفص أفكارك، أو أنْ تتركها تلوذ بالفِرار، وتسكن في مُستَقَرِّ غيرك.
الكتابةُ مرآةٌ ترى ذاتك فيها بوضوح، وتُضفي عليكَ قيمةً ثقافيةً ومعرفيةً واجتماعيةً حقيقية، فعندما ينخرطُ الكاتبُ في حالةٍ كتابيةٍ صِرفة، يشعر أنه مُحاطًا بهالةٍ من السموّ والزهوّ الباذِخَين، فتشتعل جذوة حماسته لتقديم ما عنده وما ليس عنده من المخزون الإبداعي ،فيُسعد نفسه ويُسعد قُرَّاءه.
كان محمود درويش يتأنَّق ويتهندَم كل صباح استعدادًا للكتابة، لأنه كان يعتبرُ نفسه على موعدٍ غراميٍ يوميٍ مع القصيدة، وكذلك أنيس منصور الذي كان يُقلِع على مَتن رحلة مقاله اليومي، والتي تنطلق عند الساعة الرابعة صباحًا من كل يوم، ولا يرافقه فيها سِوى قلمه وقرطاسه وكوب شايِه، في تحييد ومناهَضَة للفكرة التي تسود أذهان بعض الكُتَّاب الذين يعتبرون الكتابة بمثابة الوحي أو الإلهام الذي يهطلُ على الكاتب، أو الحالة الفنيّة التي تنتابه في ساعةٍ مُحدَّدة غير معلومةٍ، وما عداها، فإنه لا يستطيع مزاولة الكتابة.
يعتقد الكثيرون أنَّ الكتابة هي أسهل عمل يقوم به الكاتب ،لكن هذا يتعارض مع ما يعتقده (توماس مان) الذي قال: «الكاتب هو شخص تكون الكتابة بالنسبة له أصعب مما هي بالنسبة للآخرين»، لأن الكتابة ليست صياغة وحسب، بل هي توجيه للنقد، وطرح للرأي، وتجسيد للفكر، وتجسير نحو المشكلة. الكتابة شيءٌ ما يُشبِهُك. بل هو أنتَ بالتفصيل، لذلك عندما تكتب، وتنشر ما كتبت، يُقالُ مَجازًا: «فلان طرح نفسه»، في إشارة إلى أنَّ الكاتب عندما يكتُب لا يُقدِّم مُجرَّد مقالة للنشر أو كتاب للتوثيق، بل يُقدِّم ذاته بما تحوي من مخزونٍ في قالبٍ مكتوب.
عزيزي القارئ، الكتابة هي أنْ ترتطم حواسّك بكُتلةٍ من الأفكار ،المعلومات، الاستفهامات، فلا تملك إلا أنْ تقف أمامها مشدوهًا مِنْ روعة ما قرأت.

الكاتب الأستاذ: رائد البغلي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *