الرئيسية / مقالات / وتين وقلبها الكبير | بقلم نجفيه حماده

وتين وقلبها الكبير | بقلم نجفيه حماده

وتين وقلبها الكبير

على عجلة من أمرها تركض ويركض الزمن حولها، تستند على جدار المصعد النازل من سكنها ويفتح الباب وتسابق من حولها، يرن هاتفها “وتين، مرحبًا، وصلتِ؟” لترد: “خرجتُ لتوّي”، ركبت سيارتها مسرعة لتصل إلى المستشفى التي تعمل فيه استشارية في عناية الأطفال، وما إن وصلت وذهبت إلى قسم العناية المركّزة، وإذا بأم تقف والدموع لا تتوقف من عينيها لتدخل وتعاين الطفل سامي ذا الأربعة أعوام الذي داهمه المرض ولا يعرف الأطباء علّته، أخذت ملفه الطبي لترى التحاليل فقرّرت عمل تحاليل أخرى، خرجت وإذا بوالدة سامي تركض ناحيتها وتقبّل يديها لإنقاذ طفلها الوحيد الذي انتظرته بعد سبعة عشر عامًا من الحرمان، هدّأت من روعها وأخبرتها بأن الله معها وقالت: “فلتصبري وتتمسكي بالدعاء والإيمان بالله”.
ذهبت لعيادتها لتعاين المرضى الآخرين وفي قلبها ألف غصّة وكأن الزمن يعيد الموقف ولكن مع طفل آخر يحمل في ملامحه ملامح طفلها محمد الذي رحل بسرطان الدم، حيث رحل قبل أن تصبح والدته دكتورة، ما دفع وتين أن تنجح لتنقذ الأطفال وتزرع الأمل في قلوب الأمهات مثلما تمنّت أن يسخّر الله لها من ينقذ طفلها، رحلة العلاج الطويلة لابنها خلقت في قلبها التعلّق في مرضاها وكأنهم عائلتها، تطمئن عليهم وتهاتف ذويهم.
بدأت مع سامي العلاج خطوة بخطوة وكل يوم يمر والطفل يستعيد عافيته، تدخل وتين وقلبها مليء بالإيمان بالله وكأنها معجزة إلهية أنزلها الله لقلوب أضناها الابتلاء، تواصل متابعتها للمرضى بشكل مستمر طوال اليوم وفي كل وقت، فهي لا تعرف الراحة، ابتسامتها وطاقتها الإيجابية الملائكية تحيط بكل من يعرفها حتى من خارج محيطها العملي.
انتكست حالة سامي وأدخل العناية المركزة للمرة الثانية بعد أن تحسّن وخرج منها، عاد والده من سفره على عجل وتوجه إلى المستشفى مباشرةً وأخذ يصرخ في أروقة المستشفى يناشد الاتصال بالدكتورة وتين، تصل وتين المستشفى على صوت والد سامي “والله إذا صار لابني شيء سأقتلكِ يا وتين.. أنتِ لو كنتِ أمًا لأحسستي بمعاناة أمه”، دخلت وتين لترى سامي وقد استقرّت حالته لتخرج وتطمئنه حتى يهدأ لكنّه بادرها بصفعة على خدّها وهو لا يزال يصرخ، ولكن حراس أمن المستشفى أمسكوا به وهي تحاول تهدئته ” اهدأ من فضلك، فأنا أعلم بمعاناتك فقد رحل طفلي بنفس المرض “، هنا تغيّرت نبرة صوته فجأة وهدأ وذهبت هي لعيادتها والدموع جارية على خدّيها، ليس من الصفعة وإنما أخذتها لذكريات قاسية فألم الفقد ألم لا ينتهي، إنه الشوق الطويل الذي يأخذك إلى عالم الألم يسحبك فيشل جسدك ويقطع أنفاسك لتتجرع بعدها الغصة وتحمد الله وترفع رأسك نحو السماء لتناجي الله ” يا الله خذ بيدي ” وفجأة ترى نفسك قائمًا لتسير مرةً أخرى وكأن الله استجاب لكلامك بلطفه عز وجل.
خرجت الدكتورة وتين مرة أخرى لوالدة سامي واعتذرت والدته لـ وتين على ما بدر من والد سامي وقبلت وتين الاعتذار وقالت لها: “الله يكون بعونكم واعلمي أننا سنفعل كل ما بوسعنا وأنتم ليس لديكم إلا الدعاء”، ذهبت وتين إلى منزلها ودخلت غرفة الطفل الراحل محمد لتبكي وتريح ما في صدرها وأقسمت أنها ستزرع الأمل في قلب كل أم.
تجمع قوتها في كل يوم وتذهب إلى المستشفى تدعو الله أن يكون معها إلى أن تحسّن سامي أخيرًا وجاء يوم عمل التحاليل اللازمة لتظهر النتائج بأن الطفل سامي شُفي أخيرًا وأنه طفل سليم مثل باقي الأطفال، فحمدت الله واستدعت والدي سامي لتبشّرهما بنفسها، فقالت لهما “إن الله يحبكما وإن العمر أمام سامي وتنتظره الكثير من الإنجازات” فقالت والدة سامي: “ماذا يعني؟” ردّت وتين: “سامي أصبح خاليًا تمامًا من كل الخلايا السرطانية وهو طفل قوي”، بكى الوالدان واحتضنت والدة سامي الدكتورة وتين واعتذر الوالد عن تصرفه، ودخل سامي مبتسمًا وكأنه يعلم بما دخل على قلب والديه من سرور لتحضنه الدكتورة وتين وتخبره ” أنت قوي يا طفلي وتذكّر دائمًا أن تقبّل الماما كل يوم فالماما والبابا يحبانك”
قلب وتين المعطاء لن يتوقف ففاقد الشيء يعطيه وليس العكس، وبقوة الأمل والإيمان يصنعون المعجزات، فمن كان مع الله كان الله معه، ازرع الفرح في قلب من حولك وسيزرع الله في فؤادك كل سعادة ، كن كما تريد أنت فقط وليس كما يتمنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *