الرئيسية / مقالات / المؤمن وعاشوراء الحسين عليه السلام | بقلم حسين جاسم آل فويز

المؤمن وعاشوراء الحسين عليه السلام | بقلم حسين جاسم آل فويز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على نعمائه التي لا تعد ولا تحصى والشكر له كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وعلوي مكانك، والصلاة والسلام على المصطفى الأمين المبعوث رحمة للعالمين و على آله الغر الهداة الميامين.

روى الشيخ الصدوق عليه الرحمه عن الإمام الرضا عليه السَّلام: (إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَأَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ) [١].

وقال الله العظيم في كتابه المجيد: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [٢].

إن الله عز وجل أمر عباده المؤمنين بتعظيم شعائره، و هي المعالم التي يُعرف بها طريق الله، والشعائر عند أهل اللغة: جمع شعيرة، والشعيرة من الشعور، والشعائر عند العلماء من الفقهاء والمفسرين: هي العلامات التي أمر الله بتعظيمها.
وبما أن التعظيم لشعائر الله مظهر من مظاهر تقوى القلوب، فهذا أول أيام إحدى الشعائر التي أرق انتظارها عيون العشاق، وطارت شوقا إليها قلوب الأمجاد، وذلك إلا لما تحمله في طياتها من ذكرى متأصلة ومتجذرة في عاداتها وتقاليدها من عقائدنا التي توارثناها جيلًا بعد جيل، فهي محطات تتزود الأرواح فيها بالطاعات وتسمو فيها النفوس للتغيير.
إنها فاجعة كربلاء التي تتجدد عاماً بعد عام وتزيدنا في كل مرّة ألماً وحزناً على ما جرى على سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وعترة المصطفى صلى الله عليه وآله بطفوف كربلاء، التي بذل الحسين عليه سلام فيها الغالي والنفيس وكل شيء لله تبارك وتعالى، وهجر الدنيا وأهلها وملذاتها يبتغي بذلك مرضاة الله تعالى، وحفظ الدين فلو لاه لضاع، وكانت تضحيته بدمه الطاهر وأهل بيته لإظهار الحقائق للناس وإعلاء كلمة لا إله إلا الله.
لذا فهي ليالي وأيام للتجارة مع الله تبارك وتعالى والهجرة إليه والتعلق به، فينبغي على المؤمن أن لا يحرم نفسه من هذه البركة والفوز العظيم، فلا يكن الإنسان في هذه الأيام بخيلاً على نفسه بالصرخة على الحسين أو بالبكاء والتباكي على مصيبتة، فما من عين ولا عبرة أحب إلى الله عز وجل من عين بكت ودمعت على الحسين، وما من باكٍ يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها ووصل رسول الله صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين عليهم جميعاً سلام الله.
ويشمله دعاء الإمام الصادق عليه السلام المروي عن معاوية بن وهب عن الإمام الصادق عليه السلام : (اللَّهُمَّ فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ، وَارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَتَقَلَّبُ عَلَى حَضْرَةِ أَبِي عَبْدِاللَّهِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَارْحَمْ تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وَارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لَنَا، وَارْحَمْ تِلْكَ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا) [٣].
وكذلك ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله :(*يَا فَاطِمَةُ كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا عَيْنٌ بَكَتْ عَلَي مُصَابِ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّهَا ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بِنَعِيمِ الْجَنَّة) [٤].
وروي عن الصادق عليه السلام أيضا قوله: (مَا مِنْ عَبْدٍ يُحْشَرُ إِلَّا وَعَيْنَاهُ بَاكِيَةُ إِلَّا الْبَاكِينَ عَلَى جَدِّيَ الْحُسَيْنِ عليه‌السلام ، فَإِنَّهُ يُحْشَرُ وَ عَيْنُهُ قَرِيرَةُ ، وَ الْبِشَارَةُ تِلْقَاهُ وَ السُّرُورُ [ بَيْنَ ] عَلَى وَجْهِهِ ، وَ الْخَلْقُ فِي الْفَزَعِ وَهْمُ آمِنُونَ) [٥].

لذا ينبغي عليك أيها المؤمن في هذه الأيام القلائل أن تفرغ نفسك فيها ولو بعض الوقت للحسين عليه السلام، وتحث نفسك وأهلك وأولادك حتى لا يداخل إلى قلبك الكسل والملل، بل يكون لك بصمة وموقف صادق فيها، نابع من القلب منبعث من ذات النفس والروح، فإذا حضرت إلى مأتم الحسين عليه السلام لا يكون حضورك حضور باهت حتى الصرخة لا تخرج منك إلا بشق الأنفس، بل عليك أن ترفع الحياء والخجل، ويكون لك صرخة وبكاء ونحيب في المأتم، فلا يكن حالك حال العمود جامداً لا تحرك ساكناً.

وختاماً نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعاً من خدام الحسين عليه السلام وأن يرزقنا شفاعة الحسين عليه السلام يوم الورد، وأن يثبت لنا قدم صدق عنده مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا نهجهم دون الحسين عليه السلام.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين‬.
==================
[ ١ ] الأمالي للصدوق، مجلس 27 يوم الجمعة غرة المحرم سنة ٣٦٨، ج ١، ص ١٩٠، ح ٢.
[ ٢ ] سورة الحج – الآية ٣٢.
[ ٣ ] كامل الزيارات، ج ١، ب ٤٠، ص ١١٦، ح ٢.
[ ٤ ] بحار الأنوار، ج ٤٤، ب ٣٤، ص ٢٩٢، ح ٣٧.
[ ٥ ] كامل الزيارات، ج ١، ب ٢٦، ص ٨، ح ٦.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *