الرئيسية / مقالات / حاسب واحد فقط! … للكاتب الأستاذ رضي منصور العسيف

حاسب واحد فقط! … للكاتب الأستاذ رضي منصور العسيف

بعد أربعة أسابيع من التعليم عن بعد … عُقد اجتماع بين مجموعة من المدرسين للمرحلة الإبتدائية لتداول إيجابيات وسلبيات هذه الطريقة الحديثة على مجتمعنا …
وبعد نقاش طويل في الإيجابيات والسلبيات…
قال الأستاذ محمد: كان لدينا أحد الطلاب المتفوقين جدًا وكانت صورته لا تفارق لوحة الشرف … ولكن ومنذ أن بدأنا الدراسة رأيت فيه تغيبًا عن الحصص الأولى …
سأله الأستاذ حسن: من هو …
قال الأستاذ محمد: إنه الطالب (س،ع، ص) …
قال الأستاذ حسن: هذا صحيح … فلم أعد أراه في الحصص الأولى … بل لقد لاحظت غيابه في الحصة الأخيرة أيضًا …
سألهم قائد المدرسة : هل تواصلتم مع عائلته …
أجاباه : بصراحة لا … فعملية التعليم عن بعد مرهقة جدًا …
قائد المدرسة : ليس صحيحًا أن نترك طالبًا يتدهور مستواه الدراسي… علينا أن نتواصل مع عائلته لمعرفة السبب … الأيام تتقدم والدروس تزداد … وأخشى أن يصاب هذا الطالب بنكسة دراسية نكون نحن السبب فيها… سوف أتواصل مع عائلته وسوف أحدد موعدًا لمقابلة ولي أمره … وسوف أخبركما بالموعد …
حاول قائد المدرسة الاتصال بولي أمر الطالب … عدة مرات … لكن الهاتف مغلق … اتصل بالرقم الآخر … وبعد عدة محاولات ردت الأم … استفسر المدير عن سبب عدم حضور الطالب لمنصة مدرستي مبكرًا … لماذا يتأخر … لقد كان طالبًا متفوقًا … ما الذي تغير … هل كانت العطلة الطويلة سببًا في ذلك … هل ممكن أن يحضر والده غدًا للمدرسة …
ردت الأم بصوت مخنوق: تباً لكورونا … لقد سرق منا أجمل ما نملك … لقد سبب لنا التعاسة …
قائد المدرسة : ماذا حدث سيدتي …
الأم : لقد توفي زوجي بسبب كورنا … فبعد أن انقطع عن العمل وتوقف راتبه … أصابه الفيروس اللعين … وخطفه منا …
قائد المدرسة : لاحول ولا قوة إلا بالله … عظم الله أجوركم …
تواصل قائد المدرسة مع الأستاذ محمد والأستاذ حسن وأخبرهما بالقصة …
قام الأستاذان بمهمة دراسة حالة العائلة …
واكتشفا أن الوضع المادي سيئٌ جدًا …
التقى الأستاذ محمد بالطالب (س،ع،ص) وسأله عن حاله …
بقي الطالب صامتًا للحظة … ثم قال: شكرًا لك أستاذ … أنا مستواي الدراسي لم يتغير … وإذا أردت أن تتابع واجباتي وحفظي للقرآن والأناشيد فسوف أسمع لك … ولكن …
سأله المدرس: ولكن ماذا …
أجاب الطالب: أنا مع أخي وأختي التي تدرس في المرحلة المتوسطة ليس لدينا إلا جهاز واحد … فماذا نفعل …
لقد وعدني أبي قبل وفاته بأن يشتري لي جهاز لابتوب … ووعد أختي بهاتف جوال … ولكن الفيروس اللعين سرقه منا …
اغرورقت عينا الأستاذ محمد بالدموع… وبقي صامتاً … وقال: عد الآن إلى منزلك … وستكون أموركم إلى خير …
تواصل الأستاذ محمد مع الأستاذ حسن وقائد المدرسة وقرروا أن يعقدوا اجتماعًا عامًا لجميع المدرسين في الليلة القادمة …
في الاجتماع تحدث قائد المدرسة قائلاً : التعليم عن بعد حرم بعض الطلاب من متعة الدراسة … نحن لا نعلم ماذا يحدث في بيئة الطالب… ما هي ظروفه … التعليم أيها الأخوة ليس مجرد درس تقدمه وتنهي الجلسة وتغادر … دعونا نخلص أكثر في عملنا … وأنتم من خيرة المدرسين … اليوم عرفنا عن حالة أحد الطلاب المتفوقين ولكن الوضع الراهن سبب لهم المشاكل الاقتصادية والتعليمية … هم لا يمتلكون إلا جهازًا واحدًا يتناوبون عليه بين حصة وأخرى … علينا أن نعلن عن حملة مساعدات لهذه العائلة ومتابعة بقية العوائل … لا نعلم كم عدد الطلاب الذي يعانون من هذه المشكلة ولكن علينا أن نتحمل بعض المسئولية ونتابع حالة طلابنا من جميع النواحي …
في اليوم الثاني قدم الاستاذ محمد جهاز لاب توب للطالب (س،ع،ص) وأخبره أنه هذا الجهاز هو مكافأة تفوقه في الأعوام السابقة …

شكرًا لأصحاب مبادرة حاسب لكل طالب
لايزال مجتمعنا بخير … هناك ثلة من أبناء الخير والكرم يساهمون في إسعاد الآخرين …
بين فينة وأخرى تخرج في مجتمعنا مبادرات راقية تنم عن تلك الروح وتلك الأخلاقيات الرفيعة، وعن ذلك العطاء المنقطع النظير …
ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (خير الناس من انتفع به الناس). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (خير الناس من تحمل مؤونة الناس )(1).

الهوامش:
1) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٨٤٥

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *