الرئيسية / مقالات / كن أنت لتكون سعيداً

كن أنت لتكون سعيداً

من أجل السعادة يحتاج المرء أن يعيش ذاته كما هو، وفق طبيعته، لا وفق ما يريده الآخرون. أن يتعاطى مع نفسه فيما تحتاج أو ترفض كما يريد هو، لا كما يريد محيطه. فمن يعيش لغيره لن يعيش حياته الطبيعية. أي أن يعيش وفق تصوره لنفسه وقراءته لها، بفهمه لها، لا وفق تصور الآخرين عنه وقراءتهم له، فهم ليسوا أكثر فهماً منه عن نفسه. فلن يكون سعيداً من يعيش وفق تصورات الآخرين عنه وقراءتهم له. وخير قراءة للنفس تلك القراءة التي لا تبالغ في الثناء أو الذم لذاتها. فإن الإنسان على نفسه بصيرة. هو أعلم بنقاط قوته وضعفه، ولا أحد غيره. ولن يستطيع أحد أن يقرأه بدقة لا خلل فيها إلا هو. حتى المِرآة لا تستطيع فعل ذلك. فلا توجد مرايا تنبئنا بما نشعر به، أو تخبرنا بما نفكر فيه، أو تحدثنا عن تمنياتنا، أو تنقل لنا أحاسيسنا من فرح وحب وكره وغضب. وكما قال الشاعر والفيلسوف البرتغالي فرناندو بيسوا: المِرآة لا تفكر، لكنها دقيقة، تكشف الأجساد على حقيقتها، لذلك لا تخطئ. المرآة تعكس بدقة متناهية دون أن تخطئ أبداً لأنها، وبكل بساطة، لا تفكر.

التوازن في قراءة الذات ضرورة للوصول للسعادة. لا قراءة تزهو بالنفس، ولا قراءة تحط منها. لا قراءة تفاخر بالنفس، ولا قراءة تُهينها. لا قراءة تشمخ بها وكأنها لا مثيل لها فتـتغطرس، ولا قراءة تبخسها حقها وكأنها لا قيمة لها فتموت كشخصية بينما هي حية كجسد. هي قراءة لواقع النفس، تقدر إمكانياتها ونقاط قوتها، وتُشخص زوايا ضعفها وتُحدد قابلياتها. و”يُـعد تقدير الإنسان مواهبه تقديراً متواضعاً مصدراً هاماً من مصادر السعادة. فمن الحكمة ألا يزهى المرء بنفسه، كما كان من الحكمة ألا يتواضع المرء لدرجة التخاذل”.  لذا يتطلب الأمر ان يقرأ الإنسان نفسه، ثم يعود لمراجعة قراءته لها، وهي عملية متواصلة بين القراءة ومراجعة القراءة، لماذا؟، حتى يستمر في عملية التوازن بين عدم التباهي وعدم الإحطاط لها. وهذا يشرح لنا لماذا يتعمد البعض النظر في المرآة مراراً وتكراراً يومياً، بل أصبح البعض يقوم بذلك بشكل عفوي دائماً.
فقد بينت نتائج الاستطلاع الذي أجراه علماء من بريطانيا ان متوسط عدد المرات التي ينظر فيها الرجال الى أنفسهم في المرآة 23 مرة في اليوم، في حين أن النساء فقط 16 مرة. يعتقد الخبراء ان هذا السلوك تمليه موضة السيلفي.

هذه العملية، قراءة النفس ومراجعة القراءة، تجعل ثقة الفرد في نفسه سليمة على الدوام، لا إفراط فيها ولا تفريط. حيث “إن الإحساس السليم بالثقة بالنفس هو عامل حاسم في تحقيق أهدافنا”. في أحد أركان مترو الانفاق المهجورة، كان هناك صبي هزيل الجسم شارد الذهن، يتسول وفي نفس الوقت يبع أقلام الرصاص. مر عليه أحد رجال الأعمال فوضع دولارا في كيسه، ثم استقل المترو في عجلة وبعد لحظة من التفكير، خرج من المترو مرة أخرى، وسار نحو الصبي وتناول بعض أقلام الرصاص وأوضح للشاب بلهجة يغلب عليها الأعتذار أنه نسي التقاط الأقلام التي أراد شراءها. وقال: إنك رجل أعمال مثلي، ولديك بضاعة تبيعها وأسعارها مناسبة للغاية. ثم استقل القطار التالي. بعد سنوات من هذا الموقف وفي إحدى المناسبات الاجتماعية تقدم شاب أنيق نحو رجل الأعمال، وقدم نفسه له قائلا: إنك لا تذكرني على الأرجح، وأنا لا أعرف حتى أسمك، ولكني لن أنساك ما حييت! إنك أنت الرجل الذي أعاد إلي احترامي وتقديري لنفسي. لقد كنت أظن أنني (متسول) أبيع أقلام الرصاص إلى أن جئت أنت وأخبرتني أنني (رجل أعمال)”

في المقطعين المرفقين أفكار مفيدة لذات الفكرة
“لا تقرن نفسك بالأخرين كن أنت ولا تكن غيرك” للمشاهدة اضغط هنا

“كن انت ولا تكن هم !!” للمشاهدة اضغط هنا

بوابة السعادة رقم 1، م. خالد دخيل الجديع، ص 240

الكاتب الأستاذ: كاظم الشبيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *