الرئيسية / مقالات / القيادة الحسينية

القيادة الحسينية

ها نحن نعيش أيام شهر المحرّم الحرام حيث تعجّ بالمنابر الحسينية وتمتلأُ المجالس والطرقات بالمستمعين والمعزّين بمختلف الأعمار والأجناس والسؤال الذي يطرح نفسه هو.. ما هي الآثار والأبعاد والقيم التي ستخلّفها ملحمة الطف على نفوسنا وتنعكس على سلوكياتنا وتصرفاتنا؟
لن أجيب على هذا السؤال وسأتركه لك لتُجيب عليه بنفسك، غير أنّي ارتأيت أن أتحدث عن أمر القيادة الحسينية من منظور قيادي وإداري حيث الحنكة التي قاد بها الإمام الحسين عليه السلام وسطّر بها أروع الأمثلة في هذا المضمار. لقد تجلّ في هذه القيادة الصبر والتسامح والإيثار والبذل اللّا محدود بالغالي والنفيس. وهل هناك أغلى من النفس؟ لقد جسّدت القيادة الحسينية السمات التي يحتاجها القائد في أي جانب من جوانب الحياة وسأكتفي بالحديث عن بعض السمات والمهارات التي تُعد القاعدة الأساس لخلق قائد ناجح.
لقد برع الإمام الحسين عليه السلام في دقة وتنظيم العمل وإسناد المهام بشكل يفوق تصورات أي إنسان يعرف معنى القيادة، لعلمه بما ستؤول إليه الأحداث وتطوراتها وتبعاتها، وهذا يعني التنظير المسبق للأحداث، القائم على المعرفة والعلم اليقين، بل كان يمتلك القدرة على صناعتها واتخاذ القرارات اللّازمة دون الإتكال على أشخاص آخرين حيث كان يرى أنّ المسؤولية العظمى تقع على عاتقه دون غيره، فهو الإمام والخليفة المعيّن من قبل الله سبحانه وتعالى، بل أنّه يمتلك القدرة على التأثير في الآخرين. لقد استطاع الإمام الحسين عليه السلام إقناع المخالفين بترك الجانب الذي هم فيه ويلتحقون بركبه ويكونون من أتباعه وناصريه وأكبر مثال على ذلك هو انسحاب الحر بن زياد الرياحي عليه السلام من جيش عمر ابن سعد والإلتحاق بركبه.
لقد امتازت شخصية الإمام الحسين عليه السلام بالتأثير على الآخرين والذي يحتاج إلى أسلوب مميّز وإيجابي وحجة بالغة يدحض بها الطرف المقابل وهذا الأمر يتطلب القدرة على التواصل مع الآخرين بشكل فعّال يسمح له باستقبال ما يقدّمه الآخرون ويحاولون إيصاله له، وهنا يتجسّد معنى المشورة رغم أنّه الإمام المعصوم المفترض الطاعة. إذ أنّ غياب هذه السمة من القائد تؤثر بشكل كبير على تفعيل قراراته من قبلهم. لقد كان حريصاً على تحقيق الأهداف التي من أجلها خرج وأهمها الصلاة وقد أقامها جماعة دون هوادة رغم صليل السيوف وشراسة الأعداء.
لقد كان الإمام الحسين عليه السلام قادراً على رؤية الأمور بمنظورها البعيد وعدم الإكتفاء بالواقع الموجود لسعة صدره واتساع أفقه ولم يتأثر بالنقد والإتهامات من قبل أعدائه. امتلك الإمام الحسين عليه السلام القدرة على التخطيط حيث كان المدبّر الرئيس للعمل والحركة منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها مغادرة المدينة المنوّرة وحتى انتهاء المعركة. كما أبدع في تحفيز الأصحاب وحثّهم على العمل والجهاد تحت راية الإمام من خلال أسلوب الناصح المحب وبيان تبعات التخلّف عن ركبه. بل كانت لديه القدرة على الموازنة بين الأخطاء والعقاب مهما كانت تلك الأخطاء فقد كان العقاب لديه يرتكز على صحوة الضمير والعودة إلى الله، بل كان يعرض على أصحابه الخيار بين البقاء معه ونيل الشهادة أو الهروب خلال الليل حتى لا يراهم أحد فيبقون مُكرَهين.
الجانب الآخر الذي امتاز به القائد هو الثقافة والعلم الذي يمتلكه الإمام الحسين عليه السلام، ذلك العلم الذي يساعده على معرفة كل ما يدور حوله من مستجدات في شتى الجوانب. لا شكّ أنّه يحيط بكل العلوم وإنمّا سقت هذا الجانب لأهميته لدى كل إنسان يرغب أن يصبح قائداً ناجحاً. من هنا فإنّ القيادة ذات أهمية قصوى في نجاح أي مشروع إذ تمثّل حلقة الوصل بين العاملين في المنظمة ورؤيتها وتوجهاتها، حيث يطبق هؤلاء العاملون هذه الرؤية. كما توجههم لتحقيق الأهداف المرجوة وتحفيزهم على الإبداع والابتكار، بل تساعدهم على حل المشكلات وتذليل الصعوبات التي قد تواجه المنظمة ومحاولة إصلاحها وتنمية مهارات العاملين وزيادة قدراتهم.
في الختام نخلص إلى أنّ القائد والقيادة تتميز بما يلي:
1. القائد (الحنكة، الصبر، التسامح، الإيثار والبذل، الكاريزما، العلم والمعرفة، صحوة الضمير ومنح الحريات)
2. القيادة (الدقة والتنظيم، إسناد المهام، إيجاد الحلول واتخاذ القرارات، القدرة على التأثير، التواصل الفعّال، المحافظة على القيم والمبادئ، وضع الرؤية، التخطيط الممنهج، التحفيز والحث على العمل والتوازن في اتخاذ القرارات).

محمد يوسف آل مال الله

تعليق واحد

  1. حسين عبدالعزيز علي ال قنبر

    أحسنت أبو يوسف على المقال الرائع.
    سؤالك : ما هي الآثار والأبعاد والقيم التي ستخلّفها ملحمة الطف على نفوسنا وتنعكس على سلوكياتنا وتصرفاتنا؟

    جوابي الشخصي : التنظير المسبق للأحداث الذي عبرت عن تسميته للامام الحسين عليه السلام قد مزجه بل ربطه ربطا متينا مع الدور العملي للأحداث ولم يقتصر على التنظير فحسب ، من هنا تجد أن الثورة الحسينية نجحت رغم خسارة المعركة بقتل سيد الشهداء عليه السلام ، أستطيع أن أضع عنوان أو وصف مختصر لتلك المجالس الحسينية والفعاليات المتنوعة بأنها بمثابة كما تفضلت في مقالك “التنظير المسبق للأحداث” لنا في المجتمع ونحتاج الى تطبيق لما سيتم طرحه على المنبر من خلال تدوين تلك الإرشادات الروحية والعملية والوقوف على أهمها وإيجاد طرق مختلفة لتطبيقها للحصول على الفائدة المرجوة ونكون بذلك قد إستلهمنا العبرة والعبرة من تلك المنابر الحسينية الشريفة وانتفع المجتمع بأكمله منها حيث النتاج العملي حصل وبالتالي أصبح عطاء المنبر ناجح من خلال الثمار التي جنيت من تلك المنابر رغم انتهاء المجالس.

اترك رداً على حسين عبدالعزيز علي ال قنبر إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *