الرئيسية / مقالات / من فضلك.. دعني أصدمك!

من فضلك.. دعني أصدمك!

مجالس الاجتماعية والمقاهي الشعبية والمنتديات الثقافية مرآة نقيَّة لأي مُجتمع، فهي انعكاس لاهتماماته وتَشي ببعض ثقافته، ومن خلال الأحاديث التي تدور في أروقة تلك الأماكن بإمكانك أن تكوّن انطباعًا – ولو نسبيًا – عن نمط هذا المجتمع وأعرافه وتركيبته.

تغريدة يُطلقها «س» من الناس تجدها تصول وتجول المجالس، وتتربع على أحاديثهم فقط لأنها صادمة – بالنسبة لهم – أو تخالف عُرفهم وتتنافى مع توقعاتهم، أو قصة تَشيُّع فلان ابن البيئة السلفية التقليدية، أو قصة تَسنُّن فلان الشيعي ابن الحاضنة الشيعية الكلاسيكية، أو سبب تَنصُّر فلان ابن تلك البلدة التي يغلب عليها طابع التديُّن، أو قضية إلحاد فلانة ابنة تلك القرية المُحافِظَة، والأمثلة لا حصر لها.

بغض عن النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول ما سبق، يجب على المجتمع تجاوز الصدمة الناجِمَة عن مثل تلك الأحداث لسبب بسيط، هو أنها في مُجملها لا تعدو عن كونها قضايا شخصية تَمسّ وتُمثِّل أصحابها في المقام الأول، ولا مبرر موضوعي لاهتمام المجتمع المُفرط بها والذي يحوّلها – في الكثير من الأحيان – إلى قضايا رأي عام وأحاديث شارع، ويصنع من أصحابها نجومًا قد تنشغل بهم ساحات التواصل الاجتماعي، وتتهافت عليهم قنوات الفتنة لاستضافتهم فقط للحديث عن قضية تحوّلهم لدين آخر أو مذهب مختلف – حتى لو لم تكن لديهم القدرة على الحديث أو ثقافة التعبير – وكأنهم بذلك سجَّلوا براءة اختراع أو أقدموا على فتحٍ عظيم.

إن تداول مثل هذه الأخبار والتصريحات يعطي عِدّة دلالات، من بينها: أنَّ المجتمع في غالبه عاطفي وليس عقليًا، وبالتالي يؤثِّر ويتأثَّر بمثل هذه الأمور، وأنها تشغل حيزًا كبيرًا من خارطة اهتمامه، وهذا ما يدعوه لتلقّيها باهتمام بالغ ومناقشتها بإسهاب.

عزيزي القارئ، تعلم وأعلم أن لدينا رموزًا ومُقدّسات غير قابلة للمساس، لكن ما يجب أن تعلمه أيضًا أنك يجب أن لا تُقيِّم الناس من واقع عقائدهم وأفكارهم وإيمانهم بهؤلاء الرموز، فما تعتبره أنت رمزًا مقدَّسًا قد لا يؤمن به مليارات البشر على وجه هذه البسيطة، بل قد لا يعرفونه، ويجب أن تعلم كذلك أن كل شخص يؤمن بعقيدة فهي بالنسبة له العقيدة الصحيحة الراسخة التي لا ينازعها شكّ ولا يُخالطها ريب، وإلا لما اعتنقها وآمن بها.

أفكار الناس تُحاط بهالةٍ من القداسة من قِبَلهم، فهناك من لديه الاستعداد أن يُقدّم حياته مُنافحًا عن فكرة تسكن رأسه، فكيف نحاول تهميشه أو ازدراءه أو التنكيل به لأجل هذه الفكرة التي يعتبرها هو أثمن من حياته؟.

رأي الكاتب / رائد البغلي

صحيفة الرأي السعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *