الرئيسية / مقالات / قيامة الصحوة أَم صحوة القيامة؟

قيامة الصحوة أَم صحوة القيامة؟

فاجأ عائض القرني مشاهدي برنامج «ليوان» الذي يُعرض على شاشة «روتانا خليجية» حينما وجَّه اعتذارًا باسم «الصحوة» للمجتمع السعودي كافة، عن الأخطاء التي اقترفوها وحادتْ عن الكتاب والسُنَّة وخالفت سماحة الإسلام المعتدل الوسطي، حسب وصفه.

ومن الملاحظ في حديث الشيخ القرني أنه لم يعتذر عن منهجية الصحوة بالمُطلق، بل اعتذاره عن الأخطاء الجسيمة التي اجترحوها، كما كان طيلة الحلقة يردد: لسنا أنبياء معصومين، وكم تمنيت من «الصحويين» أن ينظروا للناس على أنهم ليسوا أنبياء ولا معصومين أيضًا، ويأخذونهم على مَحملٍ حَسن، ويعاملونهم برفقٍ وهَوادة لا بشِدَّةٍ وغِلظة.

في العصر الذهبي لـ«الصحوة» توهَّجت المؤسسات الدينية وانتشرت الوظائف الدينية، بل وأصبحت مهنة مَنْ لا مهنة له، وحتى أنَّ الوافدين وقعوا على السَلْكِ السائد وأصبحوا يتستّرون بالدين لنيل الحظوات، ومنهم مَنْ أصبح مؤذنًا ومنهم مَنْ أمسى إمام مسجد.

وتسلَّلت سطوة الصحوة حتى للقطاع الخاص، بعد أنْ أحكَمَتْ قبضتها على القطاع الحكومي، وأصبحت هناك هيئات ولجان شرعية في البنوك والشركات يتقاضى القائمون عليها مبالغ طائلة، مقابل فتاوى يُقدّمونها لشَرعَنَة منتجاتها وخدماتها.

اللافت أن الفكر الصَحَوي قد ألقى بظلاله حتى على النَسَق الهندسي المعماري، فنجد في الكثير من البيوت السعودية مدخل ومجلس رجال، ومدخل ومجلس نساء، وفي المُجمَّعات التجارية نجِدُ مُصَلَّى النساء يبعد كثيرًا عن مُصَلَّى الرجال، إن لم يكُن في دورٍ مُختلف.

الفادح أنهم أقنعوا الناس بحُرمة التصوير، فجعلوهم يُقدِمون على حرق أثمن ذكرياتهم وهُم يعتريهم شعور النصر والعِزَّة، واليوم يتحسّرون وهُم يرون صور الأشخاص الذين حَرَّموا التصوير تملأ وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

المساحة هنا تضيق شيئًا فشيئًا، ولن تسعفني في استعراض الذكريات القاتمة للصحوة، مِن سحب الناس للمساجد ليؤدّوا الصلاة قسرًا وليس حُبًّا، ومهاجمة مقاهي الشيشة وإطفاء التلفزيونات فيها، ومداهمة استراحات الشباب ومُصادرة ما يُمكن مصادرته، والاحتساب أمام معارض الكتاب، وتحطيم الآلات الموسيقية والأطباق الفضائية والدُمى، وحرق محلات أشرطة الڤيديو، واقتياد من لا تعجبهم قَصّة شعره إلى الحلّاق وحلق شعره عُنوةً، وملاحقة النساء في الأسواق، ورفض قيادة المرأة وعملها، وتكفير المخالفين.

المُتوقَّع أن تتوالى الاعتذارات من «الصحويين» عطفًا على متطلبات المرحلة الراهنة وخصوصيتها، لكن الأسئلة:

هل جرائم الصحوة في حق المجتمع السعودي تُقابَلُ بمُجرَّد اعتذارات؟

وهل سيقبل المجتمع السعودي هذه الاعتذارات من أشخاصٍ قد تسبَّبوا بالزجّ بالشباب إلى مناطق الحُمى والصراعات المُلتهبة وإراقة دمائهم؟

هل الاعتذار اليوم مَحْضٌ أم هو التفافٌ على المرحلة ومسايرة لمتطلباتها؟

المتحولون مؤخرًا من الفكر الصَحَوي إلى الفكر التنويري هل تحولهم حقيقي أم براغماتي؟

إذا انجلَتْ غمامة الصحوة فماذا عن مُخلَّفاتها وكتبها ومحاضراتها وتسجيلاتها وتراثها الفاشيّ وكيف سيتمّ التعامل معه؟

كلها أسئلة تبحث عن إجابة.

رأي الكاتب الأستاذ/ رائد البغلي
صحيفة الرأي السعودي

تعليق واحد

  1. ما شاء الله اجدت في جلب اذاهننا الى تلك الأيام البائسة، وننتظر اندثار ماتبقى منها إلى غير رجعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *